‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص حب حزينة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص حب حزينة. إظهار كافة الرسائل

قصة ليالي الشوق الفصل الثالث




مرت الايام وزادت الامور تعقيدا علي الحاج اشرف بعد تعلق اخيه الصغير بعلاقته العاطفية بامرأة يراها لاتصلح ان تكون زوجة لاخيه تحمل اسمه وتصونه وتكون عونا له عند الكبر ومع كثرة المشاحنات المتكررة اثناء النقاش فيما بين الاخوين والوصول في نهاية الامر الي طريق مسدود وعقل متصلب الفكر لا يعطي فرصة للاخر ان يتكلم معة بصوت الحق وذلك لسيطرتها التامة علي قلب ومشاعر حبيبها نظرا للوضع الحرج الذي وضعت عشيقها به عن قصد للوصول الي فرض سياسة الامر الواقع علي الاحداث فكان حتما ولابد ان يقوم صادق بانهاء كل هذا الجدل باتخاذ خطوة جدية في اتجاه اتمام هذة الزيجة رغم انف اخية الاكبر بتحديد موعد مع والدها والتقدم بصفة رسمية لطلب يدها منه كي يقطع احبال التوتر المستمر اللانهائي الذي يكاد ان يقتله من كثرة التفكير .

بالفعل تحدد له الموعد بعد ان نسقت الانسة خديجة سابقا الامر مع ابيها وذهب اليه متوجسا وبقلبه شيئ من الخوف ان يقابل من عائلتيها بصدمة جديدة غير مهتما بما يدور هناك من اشخاص يسعون جاهدين للحيلولة دون اتمام هذه الزيجة وعلى العكس من توقعه رحب به والد العروس بشدة وقد كانت مشاعر صادق مذبذبة بالنسبة لكثرة الاقاويل التي تحوم حول والد حبيبته وخلافا لما توقعه وجد انه امام انسان محترم مظلوم من كل اهل المدينة بالاقاويل المغلوطة كما ظهر له بمخيلته فهو عذب الحديث صاحب وجه بشوش ضحك وعطوف ولم يشعر لحظة معه واحدة بانه متعجرف او متكبر كما كان يقال عنه فقد التصق بوجه المستشار بتلك اللحظات القناع الخداع الذي كان دائما يستخدمه عند اتمام احدي صفقاته كعادته التجارية البحته

لم تكن الجلسة جلسة تعارف بل كانت جلسة وضع الشروط وتحديد المبادئ التي يجب علي صادق ان يتبعها لكي ينصهر في تلك العائلة الارستقراطية وعدم التزامه بتلك النصوص سيجعله مرفوض تماما من التواجد بالعائلة ولذلك قبل العريس بكل الشروط بدون ادني اعتراض مما شجعه ان ينتهز الفرصة ويطلب ان تتم الزيجة باسرع وقت ممكن لانه اوهم والدها انه يخطط للسفر الي الخارج لاتمام صفقة كبيرة تخص مصنع اخيه وانه مصمم علي الزواج قبل السفر وبدون اي تاخير وكان له ما اراد حيث حدد والد العروس ليلة الزفاف بعد قرابة الشهر ملبيا لرغبة خطيب ابنته المتعجل واقنع الجميع بذلك الرأي باستثناء بعض من افراد العائلة من خالات وعمات واخوه رافضين من الاساس وجود صادق بينهم لانتسابه لعائلة من عامة الشعب ولا يمتلك الاصوال والانساب التي يمتلكونها فهو من الاساس ابن لرجل كان يعمل مزارع بسيط لم يكن يمتلك غير بعض الافدنة القليلة في ذلك الوقت مقارنة بعائلتهم التي اتسعت ممتلكاتهم المتفرقة بانحاء المدينة شرقا وغربا فكيف له ان يتقدم لخطبة ابنة الاصوال والحسب والنسب لمجرد ان عنده بعض المال الذي علي الارجح لايخصة لحاله بل يخص اخية الاكبر الحاج اشرف ولذلك تشجع بعضهم علي ان ينسحب من الجلسة معترضا علي كل التسهيلات التي يقدمها له كبير الاسرة ولا يعطي ادني اهتمام لاعتراضهم.

استطاع صادق ان ينتصر في جبهة من جبهات الصراع لديه بموافقة عمه بالمستقبل وترحيبة الشديد بالشاب المليونير الصغير والذي كان تعد له كل انواع المكائد والخطط التي ستجعله بدون حيلة تذكر بالمستقبل وما سيكون عليه من خضوع كامل لرغبة المستشار وابنته دون ان يشعر او يستيقظ من غيبوبته للابد لان كل ما سياتي سيكون برغبته وارادته كاملة وظلت اوهامة تحول بينه وبين الحقيقة وظن انه بمعركة ذات جبهات متعددة انتصر بأولها و وبقت عنده جبهة اخيه الاكبر وكيفية اقنعة بالتخلي عن افكارة بالنسبة لخطيبته واهلها فذهب الي المنزل وجلس يدرس ويخطط بغرفته محتسيا فنجان القهوة الفنجان تلو الفنجان علي معدة خاوية مدخنا لاكثر من اربعون سيجارة بدون وعي لما يقوم بيه من انتحار فهو ينتحر جسديا ومعنويا بدون ان يدري انه بذلك في طريقه الي الهاوية وبكامل ارادته ظنا منه ان كل شيئ سيتغير للافضل بعد ارتباطه بها معتقدا ان ارتباطه بتلك المرأة قد حقق حلمه بطي صفحات الماضي الذي بقي يعاني منه فترة كبيرة في حياته بالصغر قبل ان يوسع الله الرزق عليه وعلي اخيه حيث كانت معيشتهم بسيطة جدا كابن فلاح بسيط يذهب الي المدرسة وعنده طموح ان ينهي دراسته ويجد نفسة قد تخرج من الجامعة طبيبا او مهندسا كما كان يحلم ولكن لضيق المعيشة في هذا الوقت وعدم تمتعه بوفرة المال لم يستطيع ان يواكب اصدقائه وزملائه بالنسبة لمصاريف الدراسة من احتياجات اساسية كمصروف يومي ولباس وكتب خارجية مع دروسا خصوصية فقد حرم من كل اسباب ومقومات طالب العلم لقلة حيلة والده الحاج سعيد الميهي الذي كان كبيرا بالعمر ولم يعود في استطاعته زراعة ارضه التي يمتلكها كميراث عائلي من اسرته كما كان معتادا بشبابه الامر الذي جعله يؤجر ارضه بثمن بخس ينتظر عائدها السنوي ويقسم هذا العائد علي العام كاملا وفي بعض السنوات كان يتاخر المستأجرين في سداد ايجارهم بضعة اشهر مما يجعل الاسرة كلها تعيش في كرب طوال فترة انقطاع الايجار الامر الذي اجبر اشرف وصادق ان يعملا بجانب دراستهما لمساعدة والدهما بالمعيشة فقد كان اشرف يدرس بكلية التجارة وصادق بالمدرسة الثانوية مما اتاح لاشرف ان يعمل بمصنع بلاستيك ويتعلم المهنة جيدا ويخطط الي ان يكون عنده مصنع صغير يبدئه بمبلغ بسيط من مدخراته التي وفرها بعمله خلال تلك الحقبة واشتري بعض المعدات البدائية لتعينه علي مشروعه الصغير مؤمنا ان الله سيكون في عونه الي ان يقف علي ارضا صلبة يستطيع ان يطور نفسه للافضل في المستقبل القريب بعد انهاء دراسته الجامعية


وعل النقيض كان صادق يبحث لنفسه عن حجة تقنع والده ان لا يستكمل دراسته بالمدرسة بعد ان مرت عليه ايام كثيرة من الحرمان وعدم قدرته علي تحمل كلمات بعض من زملائه بالدراسة تهكما عليه كونه ابن فلاح من عائلة بسيطة تعيش في منزل بالطوب اللبن مما دفعه للشجار اكثر من مرة معهم ووصول الامر الي مدير المدرسة بعد ان تسبب لاحدهم باصابه مستديمة بالوجه ورفع الامر الي قسم الشرطة التي بدورها ارسلت في طلب صادق للمثول امام وكيل النيابة العامة للبت في موضوع المشاجرة والعاهة المستديمة التي قد سببها لزميله في الدراسة ولولا تدخل رجال من عائله الحاج سعيد الميهي وتعويض اسرة المصاب بكتابة قطعة ارض من املاكهم باسم والد المصاب بعد جلسة عرفيه من رجال الحي وحكمهم علي الحاج سعيد بهذا الحكم كنوع من التعويض عن الضرر الذي سببه صادق لزميله ولكي يتنازل والد المصاب عن محضر الواقعة ومن ثما انتهي الموضوع بخسارة قطعة ارض عزيزة عليهم جدا حيث ان الارض عند الفلاح مثلها مثل العرض لا يفرط فيها الا بالموت ولكن انقاذا للموقف وللبقاء علي صادق خارج اسوار السجن ضحي الحاج سعيد بالارض حرصا علي مستقبل ابنه

لم تكن نهايه المشكلة بخروج صادق من سرايا النيابة ولكن بفصله ايضا من المدرسة لمده عام علي ان يعود للدراسة بعد ذلك لاستكمال العام الدراسي النهائي للثانويه العامة ولذلك اتجه لسوق العمل في مصنع للتريكو بالمنصورة يذهب اليه صباح كل يوم وياتي في حدود الساعة الحادية عشر ليلا متعبا مهموما من ما وصل اليه بتهوره المعتاد وعدم تقدير الموقف بصورة جيدة يلعن اليوم الذي اتي به بتلك الاسرة الفقيرة ويتمني ان ياتي اليوم الذي يكون فيه صاحب مال وسلطة كي يحقق كل امانيه وطموحاته يفكر بالوجود دون ادني تفكير برب الوجود يفكر بالرزق وينسي الرازق سبحانه وتعالي يظن ان الدنيا ماهي الا حظ وظروف محيطة تسعد او تتعس الانسان ولا يفكر لحظة في حكمة الله في خلقه ونسي ان رب العباد يعطي كل انسان بقدر ويجعل الناس طبقات يكمل كلا منهما الاخر فهناك الرجل الكادح الفقير وهناك الغني الحكيم كلا منهما يقوم بدورة بالحياة امام الموالي عز وجل الفقير ينتج ويزرع ويصنع والغني يصرف ويوزع ويخطط لا يستطيع ان يستغني كلاهما عن الاخر الي ان يبدل رب العالمين الادوار كما يشاء وقتما يريد بدون تدخل من البشر في دوره ومن يحاول ان يغير واقعه متخيلا ان التغيير بيده وليس بيد الخالق فليتحمل ما جنت يداه ويستعد للعقاب الذي يجعله عبرة لمن لايعتبرفنحن بني البشر اتينا الي الدنيا لنعبد الجبار المتكبر وتمر علينا الايام شاهدين انه لا اله الا الله وان محمد عليه افضل الصلاة وازكي السلام عبده ورسوله مصلين مزكين صائمين حاجين بيت الله قاصدين رضا الرحمن وحبه ليس اكثر ومن اتخذ طريق الشيطان فعليه ان ينتظر عاقبة اختياره كما علمنا العزيز مالك الملك في كتابة الشريف وسنة نبيه

ومرت الايام وبعد حصول صادق علي الثانوية العامة ولعدم رغبته في اكمال دراسته للجامعة رغم حصوله علي مجموع يتيح له ان يدخل كلية مرموقة وعلي خلاف المتوقع منه رفض دخول الجامعة لخوفة من مواجهة اصدقائه بالدراسة مرة اخري وان يمر بتجربة مماثلة للسابقة اثناء دراسته بالثانوي العام واكتفي بالعمل في مصنع اخيه الاكبر الحاج اشرف كعامل علي ماكينة سحب البلاستيك لصنع اكياس السولوفان وانتقل بعد ذلك للعمل على مكينة القص للاكياس وبعدها اشتري الحاج اشرف سيارة ربع نقل لتوزيع الاكياس وركبها صادق ليفتح اسواق جديدة امام منتجاتهم من البلاستيك واستطاع في مدة زمنية قصيرة جدا ان يصنع ارضية كبيرة ومتسعة لمصنعهم عند كبار تجار الجملة بالمحافظة وتوسع لبقية المحافظات وكبر حجم المبيعات وازداد الطلب على منتجاتهم كثيرا مما جعل الحاج اشرف يذهب الي البنك وياخذ قرض بضمان مصنعه الصغير لكي ينشأ مصنع اكبر يشمل كافة المنتجات البلاستيكية والادوات المنزلية التي تندرج تحت بند كلمة بلاستيك

زاد الرزق واتسع وفاض الكثير من المال عندهم واشترى اشرف قطعة ارض كبيرة بالمدينة الصناعية في برج العرب علي بعد مسافة صغيرة من مدينة الاسكندرية الامر الذي ساعدهم على استيراد وتصدير خامتهم ومنتجاتهم علي السواء لقرب المصنع من الميناء وتوفير مبالغ لا باس بها من الشحن البري الامر الذي جعل كل التجار تتمني ان تتعامل معهم نظرا لجوده منتجاتهم ورخص ثمنها مقارنة بغيرها التي تاتي من المحافظات البعيدة مثل القاهرة والبحيرة جعلتهم يستحوذون علي اغلب متطلبات السوق المحلية

وبعد ذلك قرر الحاج اشرف ان يطور نشاطه ويزيد عليه انشطة جديدة بجانب التجارة عن طريق شراء الاراضي الزراعية وعمل منظومة لانتاج الالبان والمواشي والحصول علي اراضي صحراوية واستصلاحها والوصول بيها الي المرحلة الاولي وبعدها يسلمها لمن يرغب في تكملة الاستصلاح مقابل مبلغ مادي يعود علي الحاج اشرف بالربح الوفير ومن رضا المولي عليهم ان جعل الكثير من شركات الالبان المنافسة تتقدم لتطلب منهم مساحات كبيرة من الاراضي المستصلحة لانشأ مزارع بجوار مزارعهم نظرا لاحترام البدو المحيطين بالمزارع لشخصية الحاج اشرف وعدم تجرئهم علي المساس باي فرد يعمل تحت ادارته مما طمأن الشركات الكبري للاستثمار بجوار مزارع الحاج اشرف ودفع الثمن مهما كلفهم الامر تقربا منه واعترافا منهم بقيمته التي كانت تردع كل من حاول المساس بقطعة من اراضيه

واتجه الحاج اشرف للاستثمار العقاري لتوسيع نشاطاته المثمرة عن طريق بناء بعض العقارات بالمدن الجديدة بمحافظة الاسكندرية وتسليمها بمدة زمنية معينة للراغبين بالسكن المتوسط ومع توسع الاعمال اصبح صادق الامر الناهي بكل شيئ كونه مديرا لاعمال اخيه ومع تشعب الاعمال واختلافها بدا صادق يشعر بحاجته الشديدة للاستعانة بمساعدين له يوجههم ويتابعهم وينتظر تقريرا يومية واسبوعية منهم لتساعده علي الالمام بكل الاحداثيات والمعطيات الخاصة بكافة الاعمال وعليه سار نهر الاعمال في مجراه ولم يحيد عنه وانتظمت كل الاعمال واصبحت شبكة المعلومات الادارية كلها بيد صادق مهما كانت متشعبة او بعيدة عن عينه وعلي الجانب الاخر الحاج اشرف يفكر وينمي ويكبر ويوسع الاعمال وكلاهما يكمل الاخر ولا يستغني اي منهما عن الاخر يجتمعون بالمؤتمرات الشهرية يستشيرون بعضهما البعض ويجعلون الطموح كالنبراس امام اعينهم لا يفكرون باي شيئ سوي النجاح والتميز وتعويض كل سنين الحرمان والعذاب بفترة الطفولة قاصدين رضا المولي عز وجل متقربين له بالاعمال الصالحة من مساعدة المساكين واليتامى يكل انواع الصدقات العينية او المعنوية

لم يردو سائل ابدا فقد كان الحاج اشرف ينظم شهريات لكل معاق وسيدة زوجها توفي او طلقها وغير قادرة علي اعالة اسرتها وكبار السن ويبني مراكز رعاية صحية برسوم كشف رمزية وانشأ اكثر من حضانات للاطفال حديثي الولادة استوردها بالكامل من الخارج باحدث تقنيات الخدمة الطبية واجهزة الاشعة بكل انواعها والنادرة بالمدينة نظرا لارتفاع ثمنها وقلة الفنيين الذين يتعاملون معها غير المساهمات التطوعية بكافة مستشفيات القلب والكبد علي جميع انحاء الدولة ومساعدة الاسر الفقيرة في تجهيز بناتهم للزواج متكفلا بيهم حتي الزواج... انه حقا رجلا صالح ولا يوجد شخص في المدينة لا يعرفه ومحبوب من الصغير قبل الكبير وتنظيمه لاكثر من رحلة عمرة وحاج للفقراء الغير قادرين بعد دراسة حالتهم واختيارهم بعناية حتي يعطي الحق لمن يستحقه

انتبه صادق لصوت بندول الساعة وهو يتمايل يمينا ويسارا ويصدر صوتا كالمطرقة من شدة الصمت المحيط به واستفاق من ذكرياته فجاءة علي دقات الخامسة صباحا بعد ان شرد عقله للماضي القريب مسترجعا كل الاحداث ينظر من نافذة الغرفة ليجد اخيه الحاج اشرف يجلس بالحديقة يرتل القرآن كعادته الصباحية اليومية فانطلق متجها اليه ليفتح معه الموضوع مرة اخري وقد كان اشحب الوجه بعيون يملئوها الحزن والانكسار يقف في دقيقة من الصمت امام اخيه ينظر الي عينه راجيا منه الرضا وقبول ما رفضه سابقا وبدء حديثه بقول :اخي وابي وكل شيئ بحياتي انا ارجوك ان ترضى عني وتسامحني كن كل ما مضي ارجوك ان لا اشعر اني سعيد وانت غير راضي عني اريدك ان تحقق لي حلمي بارتباطي بخديجة وتنسي وتسامح وتجعل في قلبك الرحمة والمغفرة كما هو طبعك دائما فرد علية الحاج اشرف بصوت مليئ بالاسي علي اخية وكيف انه اهمل اعماله واصبح لا يفكر الا بخديجة اغا قائلا له:يا صادق الموضوع ليس اني لا اريد ان اسامح او اغفر لهم هم لم يضروني بشيئ انا اخاف عليك انت واخشي ان يكون اختيارك خطأ صدقني انا لا اكن لاحد اي كره ولا يهمني امرهم باي شكل من الاشكال كل ما يهمني هو مستقبلك انت يا حبيبي ارجوك ان تفهم وتعي مدى خوفي عليك فنحن اثنان لا ثالث لهما وحياتنا كلها مرت امام اعيننا ونحن اقوياء وانا اريدك ان تبقي قويا كما كنت دائما ولك ما تريد الاهم هو ان تكون سعيد وربي يوفقك باذن الله

بكي صادق واحتضن اخيه الاكبر مندهشا من سرعة استجابته للموضوع بتلك الطريقة ولم تكن الدنيا تسعه من شده الفرحة والسرور وهو لم يعلم ان اخية لم يستطيع ان يمنع عنه شيئ هو يرغبه ويريده رغم ان كل الاحداثيات والمعطيات المحيطة بذلك الموضوع تدخل الخوف والقلق الي قلب اي انسان عاقلا وخصوصا بعد ان اتصل حارس شاليه الاسكندرية بالحاج اشرف لكي يطلعه عن ما حدث من اخيه صادق عندما احضر معه سيده لما يكن وجهها معروفا له وطريقة كلام صادق معه الامر الذي جعلة يفكر ان يترك العمل معهم حفاظا علي كرامته بعد ان اهانه صادق امام تلك المراة بدون ادني احترام لفرق العمر بينهما وعدم اكتراث صادق او حتي تذكره لفضل الرجل عليه وهو طفل فقد كان هذا الرجل جارا لعائلة صادق عندما كان يسكنون البيت القديم قبل ان يوسع الله عليهم كانو يجلسون معه كل ليلة يتسامرون ويضحكون سويا هو اولاده وكان يقف دائما بحوارة في كل مشاكله مدافعا عنه امام الجميع ولكن للاسف تنكر صادق لهذا في لحظة لارضاء شيطانه الجديد

كانت صدمة للحاج اشرف ان يسمع ذلك الكلام وتخيل ان شيئ ما قد حدث في تلك الليلة وعلي حد علمة ان اخية ربما قد اخطاء معها اولا في حالة انه اختلي بتلك المراة في مكان بعيد اصبح من الواجب والضروري ان تكون من نصيبه وقدرة ويجب ان يتزوجها حفاظا علي شرفها وشرف اسرتها هذا ما جعل اشرف يوافق علي تلك الزيجة بسرعة وليس كما حللت الانسة خديجة الامر لصادق عندما اتصل عليها ليخبرها بفرحته المفرطة بقبول اخيه ان تتم الزيجة عن اقتناع منه بذلك

فردت عليه بقولها:كان من الضروري ان يوافق فهو يخاف علي اعماله وممتلكاته منك فكل شيئ بيدك وانت الوحيد الذي يدير كل شيئ وبدونك يضيع ويفقد السيطرة يا حبيبي لاتجعل مشاعرك تخدعك تلك هي الحقيقة وانهت حديثها بضحكة مطولة مما جعله يتلعثم ولا يستطيع ان يرد علي كلماتها ومن الواضح انه صدقها كعادته فهو سلمها قلبه وعقله متخيلا ان كل شيئ تقوله هي الحقيقة نظرا لخبرتها بالبشر ووجودها بمحيط مطلع علي كل مجريات الاحداث فهي تعرف الكثير والكثيرعن الناس وعن انماطهم واساليبهم الملتوية كما اقنعته هي فقد مر امام عينيها العديد من المشاكل وهي استطاعت ان تحللها وتتخذ القرار السديد في حلها هذا ما كانت تسعى له بان يكون هناك ادوار مقسمة فيما بينهما فدورة السعي للرزق والكد عليه وترك امور الناس والعلاقات الانسانية لها فهي سيدة البروتوكولات والحفلات والموضة وهي من تحدد من يبقي بحياتهم ومن يجب ان يتواري عنهم تغير وتبدل تنزع القديم والماضي لتحل بيه الجديد والمطور مهما كان القديم يحمل معه اجمل لحظات حياة زوجها فهذا شيئ لا يشغل بالها علي الاطلاق

قصص واقعية
قصص حقيقية
قصص حب حزينة



صمتي وطموحي بأحزاني الفصل الاول




تبدأ قصتنا من مشهد في غاية الجمال من شاطئ البحر المتوسط الرقيق الساعة الخامسة قبل اذان المغرب وما اروع البحر حين يطل عليه الاحبة وما أشد ظلمته حين تطل منه الذكريات المؤلمة وتنكسر على شواطئه الآمال .والشمس تقترب من سطح الارض ترسم اجمل وابدع صورة ضوئية دافئة تشعرك وكانك في دنيا ترسم البهجة والحياة علي عمرك السابق وعمرك القادم انه الخال ابراهيم السيد خلاف يلعب بالبحر الدافئ مع اولاد اخته السيدة لطيفة كلا من طارق واخته الكبري ناهد يقضون اجازة اسبوع في راس البر مثلهم مثل اغلبية الاسر المصرية عام 1978 كانو في ذلك الوقت يذهبون الي المصايف العائلية الغير مزدحمة نظرا لنشأة الاب والام باسرة متوسط الدخل ومحافظة سلوكيا وقد كانت رحلة تصيفية تابعة للعمل الذي تعمل به الام لطيفة زوجة الاستاذ عمر شاكر الزناتي وهو ذلك الرجل الذي سافر الي العراق للعمل واخذ اجازة بدون مرتب من الشركة حتي يستطيع ان يشق طريقة الي غدا افضل قليلا من ماهو عليه

وبالتالي كان من الضروري ان تطلب الام لطيفة من اخيها ابراهيم ان ياتي و ويقضي معهم اسبوع لعدم وجود زوجها ومحاولة منها ان تفتح صفحة جديدة بعلاقتها به بعد ان كانت الامور بينهما فد وصلت لمرحلة القطيعة بوفاة والدهما الحاج سيد خلاف نظرا لاحداث عديدة قد مرت عليهم لم يكن السبب الاساسي فيها كرهما لبعضهما ولكن تدخل زوجة الاب السيدة حكمت عز الدين التي تزوجها الحاج سيد خلاف بعد وفاه والدتهما الحاجة فاطمة حيث رحلت عن الدنيا مخلفة ورائها لطيفة ثمانية اعوام واخيها الاصغر ابراهيم ستة اعوام وتزوج الاب من حكمت التي كانت في الاساس متزوجة قبل زواجها بالسيد خلاف ولم تنجب طوال مدة زوجها الاول حتي توفي زوجها وتزوجت بوالد لطيفة بعد وفاة زوجته

كانت السيدة حكمت السبب الاساسي في كل الصراعات والمشاحنات التي فرقت بين الاخوة تحت سقف البيت الواحد فقد استطاعت ان تصنع نوع من الاحزاب بداخل البيت الواحد فتضم الى حزبها لطيفة واولادها الاثنين طارق و مديحة الذين قد رزقت بيهم من زواجها الحاج سيد وعلي الجانب الاخر ابراهيم الذي لم يكن يعلم بما يدور بالبيت من تخطيطات و مكائد للوصول بهم الي تلك المرحلة بان يكونوا اخوة بالاسم فقط دون ان يشعر كلاهما بمشاعر الاخوة الحقيقة فقد كانو صغارا ليفهموا ما يدور حولهم من سعي لتفرقتهم عن بعضهم وايضا لسلبية الاخ الذي لم يحاول ابدا ان يتقرب من اخته راغبا في تحطيم الجدار الذي انشأته زوجة ابيهم بينهما فقد كان مهموما بالسعي للرزق غير مهتما بما يدور من حوله غير متفهم لحكمة ان تقوم زوجة ابيه بخلق هذه القطيعة بينه وبين اخته متوقعا ان يكون عقل اخته اكبر من ان تسيطر عليها وتبدا بالفعل في مهاجمته خلال فترة تواجده بالبيت وكانت اسهل شيئ عنده ان يضربها ضربا مبرحا اذا شعر بانها تعانده او تتحده وعلي الجانب الاخر تقف زوجة الاب في الظل مدعية ان لا دخل لها بذلك الصراع وان اخ يتشاجر مع اخته كطبيعة كل بيت ولكن مع الايام وتراكمت الاحداث المحزنة والمستمرة بين الاخوة اصبحت الفجوة كبيرة وصار من الصعب انحسارها مهما حاولا كلا منهما تخطيها فقد حفرت في اذهانهم ذكريات مؤلمة لا يمكن ان تتخطها الايام

كان ابراهيم في ريعان شبابه شابا فتيا مفتول العضلات يلبس السلاسل و الخواتم الذهبية باصابعه فخورا بنفسه لاعتماده عليها وعدم احتياجه لاحد عند بداء حياته فقد تعلم كل الصناعات اليدوية بزكائه وامتهن جميع المهن وتعلم كيف يجلب المال من مجهودة وساعدة فعمل بالسباكة والنجارة والخراطة والاحذية والكهرباء والتجارة ولم يترك باب رزق الا وطرقه ليجلب المال الذي ساعده في تدبير مصروفات المعيشة الخاصة بالبيت الامر الذي منحه قوة وسيطرة ومنع ابيه من ان ينهره علي تصرفاته مهما بلغت من حماقة وتهور فقد تكفل بمصاريف البيت بعد ان اصبح والده كبيرا بالعمر ولم يستطيع ان يعمل بعد ان اصابته لاكثر من مرة جلطة دماغيه ادت بيه الي فقد حاسة النطق السليم فاصبح عباء البيت كله من ناحية المعيشة قد وقع علي ظهر ابراهيم الذي تفاعل مع الحياة بكل وجدانه ولم يستطيع ان يمنح اخته وقت يذكر لتغير الصورة الظلامية التي قد رسمتها زوجة ابيه في ذهنها لكي تستطيع ان تظل متعاطفة معها

لذلك كانت السيدة حكمت تخشاه وتخاف من غضبه نظرا لتهور الشديد وعدم احترامه لاحد وخصوصا بعد ان اصبح عائل الاسرة الوحيد وعليه بدأت في التخطيط للاستحواذ علي عقل وقلب لطيفة التي التحقت بالعمل واصبحت موظفة تحضر المال الي المنزل فمن الطبيعي ان تميل كفة لطيفة عندها لانها بنت لن تستطيع ان تمنع عنها راتبها تعاطفا معها بعد ان اوهمتها بحبها وعل العكس كان ابراهيم يمنح البيت المصروفات عندما يشاء وقتما يشاء

وظل الصراع قائما بالبيت ال ان تزوجت لطيفة وبعدت عن الاحداث مما اتاح فرصة جديدة امامهما لفتح صفحة جديدة ونسيان ما مر عليهم من خلافات ومحاولة لنسيان ما مضي من زكريات ولكن كان شبح الاحزان يستحضرانه من ذاكرتهما من حين لاخر وظل ابراهيم في قلب الاحداث وحيدا يواجه كل المكائد الخاصة بزوجة ابيه التي لم تكن تمل او تكل من محاولتها المستمرة في استفزازه بتصرفاتها المليئة بالخبث والدهاء وخصوصا بعد ان منحها الله الولد والبنت من الحاج سيد علي غير المتوقع

كانت فرصة كبيرة للسيدة لطيفة ان تحاول ان تتقرب من اخيها املا في استعادته الي جانبها بعد ان شعرت بانها وحيدة بوفاة ابيها وبعد اختها من الاب مديحة عنها من لحظة زواجها لتحول كل اهتمامها باسرتها الجديدة وقلة زيارتها لبيت العائلة وانكماش يدها بالمال عن بيت العائلة واندماجها مع زوجها بالجمعيات ومصاريف بيتها الذي اصبح في المرتبة الاولى والاخيرة عندها الامر الذي اعطي البيئة الخصبة لزوجة الاب ان تبدا بالتفرقة من جديد بين الاخوة لطيفة ومديحة وخصوصا بعد ان التحقت مديحة بالعمل بنفس المصنع الذي تعمل به اختها الكبيرة ولكن اختلف الامر بالنسبة لمديحة حيث انها التحقت بالعمل بشهادة الدبلوم وليس مثل اختها بالشهادة الابتدائية الامر الذي منح مديحة وضع اجتماعي جديد واكبر من وضع اختها الكبري وحصلت علي راتب اكبر من راتب اختها


وكانت تعمل بالاعمال الكتابية بالمصنع علي العكس من اختها التي كانت تعمل كعاملة بالمصنع في ورش الشركة وتتعرض لخطر الاصابة بالامراض نتيجة تعرضها للمواد الكيميائية والعمل بقسم الالعاب النارية ,اكتشفت لطيفة ان اختها الصغري بدأت تتعامل معها بطريقة جديدة لم تكن تعتاد عليها منها بعد زواجها وشعرت ان هناك حاجز بداء يظهر فيما بينهما بعد ان كانو لا يفترقان ابدا قبل زواج لطيفة ولم تظهر تلك المواقف واضحة الا بعد زواج لطيفة في تلك الفترة شعرت لطيفة بما كان يدور ببيت العائلة من تحولات في الادوار بعد ان توقفت عن منح السيدة حكمت ما كانت تمنحه بالماضي من ملابس واحذية لابنتها واخوها طارق كل عيد وكل عام دراسي جديد ولم تكن تبخل عليهم ابدا باي شيئ ولكن من الطبيعي بعد زوجها ان تصب كل راتبها بالبيت الذي يضم صغارها وبعد ان استيقظت لطيفة من غيبوبتها لتتقرب لمن يجب عليها ان تحبه بصفته اخيها من الاب والام وترمي وراء ظهرها كل احداث الماضي وتسامح وتغفر

فقررت السيدة لطيفة ان تذهب الي اخيها بمحل عمله الذي اصبح محل اقامته يبقى فيه ليل نهار بعيد عن مشاكل البيت وصراعاته وتجاذبا الحديث سويا وطلبت منه ان يكون معها برحلتها التصيفية لعدم وجود زوجها معها مما قد يعطي فرصة له لتغير الجو وكسر رتابة العمل الذي جعله غير متفرغ الي القيام باي دور اسري كان من المفروض ان يقوم بيه كاخ بالنسبة لزيارة اخته والاطمئنان علي حالها وزوجها مسافر بالخارج في حالة انهم ليسو علي اختلاف في وجهات النظر فكلا منهما ينظر للاخر من خلال وجه نظره الشخصية فكانت فرصة كبيرة لابراهيم للخروج من الاجواء المشحونة و التي كانت تحيط بيه من صراعات عديدة وليستمتع مع اولاد اخته الكبيرة يلعب ويسهر ويخرج للتنزه بالليل في شوارع راس البر مستمتعا بتواجده بين تلك العائلة التي تحبه وتقدره

وقد كان ابراهيم يحب ذلك الطفل طارق حبا كبيرا لانه اول طفل ذكر لاخته الكبيرة لطيفة والتي قد انجبت طفلين اولهما ناهد ابنتها الكبرى شابة طيبة وعطوفة جدا وتحب الحياة الاسرية وتقدر التضحيات الكبيرة التي قامت بيها والدتها الموظفة بشركة قها للبتروكيماويات ووالدها المكافح والذي يعمل بنفس المصنع وقد ارتبط الاب والام بعد ان التقي بالصدفة بذاك المصنع الاب حاصل علي الدبلوم الصناعي قسم خراطة تربي بقرية مجاورة لمدينة بنها وعاش غالبية عمره بتلك القرية التي زرعت فيه التدين الاحترام والادب وحب الناس والنخوة والواجب والشجاعة والثقة بالله سبحانه وتعالي والحكمة والهدوء والرزينة فهو من مواليد برج الميزان ومعروف عن هذا البرج ان صاحبه دائما يكون انسان متواضع محب للاخرين مجتهد صبور وتلك كانت صفاته التي زرعها به والده الحاج شاكر الفلاح البسيط ,وقد كان عمر الاخ الاواسط لعائلة مكونة من والده الحاج شاكر ووالدته الحاجة نعمة واخوان هو اوسطهم بالعمر الاكبر فخري والاصغر عبدالرحمن

كان دخل الاسرة في ذلك الوقت محدود جدا نظرا لحصوله علي تقريبا تسعة جنيهات بالشهر وزوجته حوالي ستة جنيهات لذلك ومع ارتفاع الاسعار اصبح اجمالي الدخل يصرف شهريا ولا يتوفر منه شيئ ابدا مما دفعة لان يسافر الي الخارج طلبا للرزق ساعيا لتحسين دخله مثله مثل اغلبية شباب الوطن في فقد كان السفر الي دول الخليج منتشرا بكل ارجاء القطر المصري نظرا لسوء احوال المعيشة بذلك الوقت لخروج مصر من خندق الحرب مع اسرائيل بعد ان تم النصر المبين 1973 فقد ساءت الحالة الاقتصادية بعد الحرب تدريجيا مما دفع الكثير ممن يعمل بالوظيفة الحكومية للسفر سعيا للرزق وتغيرا لواقع صعب تمر به البلاد بعد حرب ضروس مع العدو الاسرائيلي لذلك قرر عمر ان يسافر لتغير جزء من الواقع المفروض عليه والتحق به بعد سفرة اخوه الكبير فخري ومن بعده الصغير عبد الرحمن الي العراق فقد كان العراق في تلك الفترة اكثر البلدان الجاذبة للعمالة المصرية نظرا لخبراتهم المتعددة واخلاصهم الحقيقي للعمل والبناء الامر الذي جعل الرئيس صدام حسين يحذر العراقيين من ان يهينون مصريا او يضايقوه لان المصري مثله مثل العراقي فهم اخوة يبنون العراق ويشيدون المصانع والمزارع كتفا الى كتف

كان الرئيس صدام محبا للعروبة ومفاخرا بها وكانت نتيجة قراراته الصارمة بان يعامل المصري مثله مثل العراقي سببا في حب المصريين الشديد لشخصه وحبهم للبلد مما شجعهم علي العطاء والتفاني في العمل واصبح العراق بلدهم الثاني ومستقبلهم المشرق وحقيقة لا ينكرها احد ان العراق قد ساهم في بناء العديد والعديد من المنازل المصرية لاغلبية اهل الريف القادمين الي المدينة فقد كانو يسافرون العراق يدخرون المال من الغربة ويرجعون الي المدينة الاقرب الي قريتهم يبنون منازل ويعيشون فيها معززين مكرمين مما جعل العراق وشعبه ورئيسه صاحب فضل لا ينكره احد علي مصر وعلي شعبها و هذه هي اخلاق المصري الاصيل يعترف بمن له فضل عليه ولا ينكره ابدا هكذا تعلم السيد عمر ان يكون وبالتالي غرز هذا الشعور باولاده

لم يكن سفر الاب مباشرة علي البصرة بل بداء رحلته للغربة مسافرا الي الاردن واليمن والسعودية وفي اخر الامر استقر علي مدينة البصرة العراقية وقد استطاع خلال تلك الفترة من ان يدخر مبلغا من المال لشراء قطعة ارض للبناء عليها بمدينة بنها مدينة عائلة زوجته لعدم رغبته بالبقاء بالقرية فكلف اخوه الاكبر فخري ووالده الحاج شاكر ان يقوما بوضع الاساس لمنزل المستقبل حتي ياتي من الغربة ليكمل البناء و لقلة خبرة الحاج شاكر الفلاح البسيط باعمال البناء والاعيب المقاول والمهندس المعماري واستغلالهم لعدم وجوده نظرا لبعد المسافة التي يجب عليه ان يقطعها كل يوم وهو يمتطي حمارة ليذهب الى مكان البناء ويرجع مرة اخري الي القرية يوميا وهو كبير بالعمر استطاع المهندس المعماري الذي رسم البناء وصمم الشكل العام للمنزل خداع الحاج شاكر وقام بعمل تصميم فاشل بجميع المقايس وذلك لاستفادة المتبادلة بينه وبين المقاول الذي طلب منه ان يحاول ان يسهل الامر علي عماله مما يقصر الوقت ويجعله يوفر في عدد الايام واليوميات التي يدفعها لهم كاجر يومي لانه قد حصل بالفعل علي اجره مسبقا

تم بناء منزل يحتاج لاعادة التخطيط من الالف الي الياء الامر الذي احزن الاستاذ عمر وجعله يشعر بانه يضيع الوقت بالغربة وان وجوده من الضروري لاستكمال ما بدئه الامر الذي اجبره علي العودة من الغربة لاتمام وتكملة طموحة بان يبني بيت لاولاده يستقرون بيه بدلا من ان يبقون مقيمين بشقة بالطابق الثاني بايجار قديم في وسط البلد ويتفوه صاحب العقار بكلمات جارحة للاستاذ عمر من حين الي اخر وعلي سبيل المثال لا الحصر اذا حدث مرة وقام طارق باغلاق باب الشرفة الذي يخص شقتهم بقوة عندما يكون متخوف من والدته هاربا منها ومن بطشها به مصممة علي ضربه نظرا لشقاوته المفرطة وقلة ادبه في بعض الاحيان لاستغلاله فترة سفر والده وعدم خوفه من امه فقد كان والده الشخص الوحيد الرادع ويكفي ان ينظر اليه بطرف عينيه فيفهم جيدا ان الامر ربما يجعله يدخل ليوم لن يمر عليه بسلام نظرا لان الاستاذ عمر كان يحاول دائما ان يزرع بابنه الادب والاحترام

ولكن للاسف بسفر رب الاسرة للخارج تفقد الاسرة عمود من اعمدة البيت الاساسية مما اتاح المجال لابنه ان يتعرف علي اصدقاء جدد هو يختارهم بالفترة بدون ادني تفكير في خلفيتهم التربوية او نشأتهم نتيجة نزوله الي الشارع في البداية للعب ولكن تاتي الرياح بما لا تشتهيه السفن حيث يبداء طارق بالتقاط سلوكيات سلبية من اقرانه ومن تصرفاتهم فكانت احدي العادات السيئة التي التقطها من الشارع ان يدخل الى الشرفة ويغلق الباب مصدرا صوتا مرتفعا نتيجة اصطدام الباب ويقوم بعد ذلك بوضع برجليه ويظل ممسكا به ضاغطا بارجله الاثنين كي لا تستطيع امه ان تضربه الامر الذي استفز مالك العقار الحاج احمد ابو كامل وجعله يتحدث بصوت مرتفع من نافذة غرفته في الطابق الثالث فوقهم موجها كلامه للاسرة كاملة قائلا: ماذا دهاك يا طارق الخمسة جنيهات التي يدفعها ابيك لا تستطيع ان تشتري ولو خشبة في باب الشرفة التي تحاول ان تحطمها هذا ليس في الاصول من شيئ وانا لن اسكت عن ما تفعلونه ,اتقو الله ويكفي اني باقيا عليكم ولم احاول ارفع عليكم قضية بالمحكمة تجعلني استطيع ان اخرجكم من المنزل

كانت كلمات تشبه الخنجر بطعناته النافذة للقلب جارحة ذات وقع صادم لام طارق الذي تصادف وجودها بالبيت في هذا اليوم بعد خروجها من العمل بصفة استثنائية لتادية واجب العزاء لاحدى زميلاتها بالمصنع حيث قد توفى والدها وقد تلفظ الرجل بتلك الكلمات وهو يعلم م تماما ان الاب والام ليسو بالمنزل في ذلك التوقيت لوجودهما بالعمل وشعرت السيدة بحزن كبير لانها كانت تقدر هذا الانسان وتعتبره في مقام اخيها الاكبر وكانت العلاقة فيما بينها وبين اسرته تكاد ان تكون علاقة اسرية قبل ان تكون علاقة جوار فقد كانو يتبادلون الزيارات ويلتقون بالمناسبات وكانهم اسرة واحدة اولادهم جالسين مع بعضهم البعض عندهم او عندها سواء لم تفرق بينهم الايام ابدا الا بعد كلمات الحاج احمد التي قطعت وللابد حبل الوصال بدون رجوع فهي لم تتوقع منه ذلك ابدا وكانت تظن انها تمثل لهم شيئ عزيز ولكن كالعادة تلك هي الحياة وتلك هي صفات النفس البشرية المتغيرة مع تغير الظروف والاحداث المحيطة وقد اعتادت في حياتها علي مثل هذة المواقف وتبقي الايام كفيلة باذابة هذا الجدار الذي صنعه الرجل غير مكترثا بكل ما مر عليهم من ايام جمعتهم كاخوة ولم يحترم جاره في غيابه بل تطاول علي ابنه متهكما مجاهرا بما في قلبه منهم

عاد الاستاذ عمر الي المنزل ليجد زوجته حزينة جدا يظهر علي وجنتيها اثار الدموع واضحة وصوتها متحشرج منخفض ليس كمثل عادته وسالها ان كان قد صار من طارق شيئ اغضبها كعادته اليومية فقالت له لا واخفت عليه ما حدث من جارهم خشية ان يحزن وهو يكفيه ما هو به من تعب بعد قدومة من العمل في المصنع بعد ان رجع من العراق في اجازة لمده ثلاثة اشهر لانها ارسلت له خطاب تبلغه ان مديرة بالعمل يطالبه بالرجوع لمزاولة عمله بالمصنع بعد بقائه لمده عامين متواصلين بالخارج هي مدة اجازته التي اجذها قبل السفر ونظرا للوائح والقوانين وجب عليه الرجوع ولو لمدة شهرين مزاولا عمله ومن ثما يستطيع ان يحصل علي اجازة اخري لذلك قرر الرجوع لا يخسر وظيفته الحكومية وبعد ذلك يرجع ليستكمل عمله بالخارج

كانت الخمسة جنيهات قليلة جدا بالنسبة لشقة ثلاثة غرف وصاله ومطبخ وحمام ولكن عندما اجرها الاستاذ عمر كانت الخمس جنيهات هي معدل الايجار المتعارف عليه بتلك الفترة ومن الطبيعي ان تمر السنوات وتصبح القيمة الايجارية اقل من المتعارف عليه في الوقت الحالي وعليه تم طرح قانون امام البرلمان في ذلك الوقت لتغير الوضع والعلاقة ما بين المالك والمستأجر حيث قام مجلس الشعب بالتصديق علي قانون الايجارات الجديدة والذي يخص العقارات الجديدة فقط وليس القديمة فيظل الحال علي ماهو عليه الا اذا اتفق الطرفين علي الزيادة العرفية تقديرا لتغير الظروف المحيطة وهذا شيئ بالتراضي ولا يجبر عليه المستأجر القديم مما جعل الاستاذ عمر يرفع قيمة الايجار بنوع من تقدير الموقف لحوالي ثلاثون جنيها بالشهر بدون ان يغير صيغة العقد او ايصال استلام الايجار من المالك

ونظرا لاخلاق وتربية الاسرة المحترمة والتي تمنعهم من الرد واكتفت السيدة لطيفه بالبكاء بعد سماع تلك الكلمات الجارحة ولم تنقل ما سمعته لزوجها ابد ولكن وشي بها الطفل طارق كالمعتاد وابلغ والده عند وصوله البيت بعد انتهائه من بعض اعمال البناء بالمنزل الجديد وكانت صدمة كبيرة له ولم يكن يتوقعها منه والاكثر من ذلك حينما بدء يستمع لابنه الصغير وهو يسب ويلعن بهذا الرجل بالفاظ نابية لم يكن يتخيل يوما ان يسمعها من ابنه الصغير وعرف ان رجوعه من الغربة كان حتميا لانقاذ ما يمكن انقاذه من تطور اخلاق ابنه الوحيد الي الاسواء

فنهره والده بشده وحذره ان يسمع منه مثل هذه الكلمات مرة اخرى قائلا له : يا طارق صاحب المنزل رجلا كبير ومحترم ولم يكن يقصد اهانتنا بكلماته ونحن نعيش بهذا المنزل من سنوات طويلة ولم يحدث مثل هذا الموقف قبل ذلك فلا تدع الشيطان يدخل فيما بينانا لموقف عابر وانا اظنه سوف يراجع نفسه مرة اخري فنحن جيران ونود بعضنا البعض بالزيارات وعندما يحتاج اي مننا للاخر يجده في ظهرة يعاونه ويساعده والاخوة بالبيت الواحد احيانا يتشاجرون وفي اخر الامر يرجعون اخوة وفوق هذا وذاك هو بالفعل يقول كلام لا يرتبط بالواقع باي شيئ نظرا لان قانون الايجار القديم لا يتيح له ان يقوم بمثل ما قال من قدرته علي اخراجنا عن منزلنا بقوة القانون واقصي طموحة ان يرفع قضية تطالبنا بزيادة القيمة الايجارية وفي غالب الامر تسقط الدعو القضائية نظرا لعدم استنادها علي قانون يدعمها وعليه فان كلامه ليث ذو تاثيرا يذكر وارجو منك ان لا تدخل مرة اخرى في امور الكبار فانت مازلت صغير لكي تستطيع ان تقيم الموقف جيدا وليست عندك الخبرة بمعادن الناس كي تقيمهم من كلمات ينطقوها بلحظة غضب

كان الاستاذ عمر يحاول ان يمتص غضب ابنه الصغير كي لا يعتاد علي ان يندفع بالحكم علي الاخرين من موقف عارض وان يصبر علي غضبه قليلا وان لا يجعل لسانه ينطق بالخطاء ويترك فرصة للاخر فلربما يرتجع ويتعظ من اخلاق الطرف الاخر هذا ما كان يحاول ان يزرعه الاب بابنه من الصغر رغم ان كلمات الحاج احمد بالفعل تركت اثر سلبي جدا علي الاستاذ عمر مما دفعه لتفكير جديا بان يخرج من تلك الشقة والسكن بمنزله الجديد حتي لا يسمع اي كلمات تجرح مشاعره وعزة نفسه مرة اخرى .

فكانت اول خطوة في اتجه ذلك الرجوع من الغربة وعمل الجمعيات مع زملائه بالعمل بالتعاون مع زوجته وتدبير المال لتحقيق الحلم واصبح وجوده في الغربة يعتبر تضيعا للوقت لان الوضع بالعراق بدا يتغير شيئ فشيئ وبدأ الاخوة العراقيون يتعاملوه معه بطريقة لا يتحملها هو نظرا لتربيته علي عزة النفس والاحترام وعدم تحمل الاهانات ولذلك لم يكمل بالخارج اكثر من ثلاثة سنوات وقد كان اسعد خبر في الدنيا لابنه طارق واخته ناهد ان والدهم قد قرر ان يستقر بمصر ويترك الغربة نظرا للفراغ الكبير الذي تركة بسفره للخارج وعدم احساسهم بالحنان والحب الذي كانو يشعرون به بوجوده بجوارهم يساندهم في مشاكلهم ودراستهم وخصوصا ان الام لم تحصل غير علي الشهادة الابتدائية وقدراتها في توصيل المعلومة لاولادها محدوده جدا ولكنها كانت طموحة وقد زرعت بداخل اولادها الطموح والامل في غدا مشرق